المحاكمات السياسية بالمغرب-محاكمة مراكش1971-
محاكمة مراكش الكبرى هي واحدة من أشهر المحاكمات السياسية في تاريخ المغرب المعاصر. جرت أطوارها سنة 1971 بمراكش, وكان أغلب المتهمين الماثلين فيها من المنتمين لحزب الاتحاد الوطني للقوات الشعبية. حوكم في المحاكمة 193 شخصا آزرهم 52 محاميا من هيئات الرباط والدار البيضاء ومراكش. دامت المحاكمة حوالي 3 أشهر متواصلة من 14 يونيو 1971 إلى 17 أكتوبر, ومرت في 64 جلسة دامت لـ290 ساعة, قبل أن تنتهي بإصدار 11 حكما بالإعدام، و400 سنة سجنا نافذا على المتهمين
الخميس، 4 فبراير 2021
حياة على حد البندقية والقضبان سيرة المناضل عبد ا...
الخميس، 7 يناير 2021
رحيل المناضل الاتحادي احمد خيار
الأربعاء، 25 نوفمبر 2020
المقاوم الرمز، الحاج بحسين بويا
حفيظ الإدريسي
استوقفت الشيخ نوحي، حول بعض من أولئك المعارف، فلم يتردد في ذكر شخصية غادرتنا منذ عامين في صمت رهيب.. قادني الفضول للاستفسار عن المقاوم الرمز، الحاج بحسين بويا، وبالأخص، في الشق المتعلق بانخراطه في صفوف رجالات التحرير بالجنوب المغربي.
ومن خلال رواية المقاوم إبراهيم نوحي، حاولت التمهيد لعمل تعريفي بالرجل، وفق نقطتين بارزتين؛ تعنى الأولى بعلاقة المرحوم الحاج بحسين بويا بالمقاوم نوحي، وتحوم الثانية حول طبيعة العلاقة التي تجمعه بشيخ العرب.
وقبل الحديث عن النقطتين، ومن باب الأمانة العلمية، نود أن نشير في مستهل هذا العمل، إلى أن الأستاذ الباحث محمد لومة، أورد صورة للمناضل بحسين بويا، ضمن قائمة أعضاء منظمة شيخ العرب، الذين برزوا خلال محاكمات 1964-1967 و1971، من خلال كتابه القيم: "المس بأمن الدولة من خلال محاكمة مراكش الكبراء: ثورة شعبية أم مناورة للتحريك؟ دراسة قانونية وسياسية وتنظيمية وأمنية"، (تقديم: النقيب عبد الرحمان بنعمرو والأستاذ الحبيب الفرقاني).
بين بويا ونوحي معزة عظيمة..
يقول المقاوم نوحي، بأنه قابل رفيقه في النضال، الحاج بحسين بويا، سنة 1984 بحي الموظفين، بمدينة أكادير. وكان اللقاء يتمحور حول قضية جيش التحرير بالجنوب المغربي، وبالضبط، علاقته بالمقاوم أحمد فوزي كوكليز (شيخ العرب).
أخبرني محدثي أنه تعرف على الشيخ بحسين سنة 1962، بشارع الفداء (درب السلطان)، بمدينة الدارالبيضاء. وكان صاحب سيارة تعليم "تاليوين" آنذاك.. كان محله يجاور محلي، "محل التقدم" لبيع السيارات المستعملة.
ويضيف، كانت اتصالاتي بالرجل منتظمة، وكانت علاقتنا المتميزة للغاية، لا تنطلق من كوننا أبناء إقليم واحد؛ فعلى الرغم من وجود العديد من أبناء الإقليم بدرب السلطان، وخاصة القادمين من إسافن، أكوليز وأقا... فإن معزة الرجل في قلبي عظيمة، وستزداد علاقتنا توطدا، لما علمت بأنه أحد معارف صديقي الغالي، شيخ العرب.
ضريبة الانتساب لمنظمة شيخ العرب
بما أن المرحوم أحمد فوزي في أمس الحاجة إلى وسائل النقل والتنقل، فإنه وجد في وفي الحاج بويا، خير سند له ولتنظيمه، وبالخصوص، حينما قامت الدولة بمضايقته، والبحث عنه لإعدامه بموجب حكم الإعدام الصادر عن محكمة تارودانت سنة 1960.
لقد ساند الراحل بويا التنظيم السري لشيخ العرب، منذ سنة 1962 إلى غاية 1964 بالدعم المادي، لكنني لست على علم يقين عما إذا كان الرجل قد شارك ميدانيا في عمليات التنظيم، يقول الشيخ إبراهيم نوحي.
وأضاف، بأن ذاكرته تحتفظ بذكريات كثيرة، منها أن الرجل اشترى سيارتين لمنظمة شيخ العرب من ماله الخاص، من نوع "شيقرولي وبيجو 203"، ومنها أن بويا خفف عنه عبء المسؤولية الثقيلة التي حمله إياها شيخ العرب.
بتهمة حيازة السلاح والذخيرة، وفي إطار منظمة شيخ العرب، ألقي القبض على الحاج بحسين بويا، وحوكم سنة 1971 في إطار محاكمة مراكش المشهورة... قضى الرجل في سجن القنيطرة زهاء أزيد من عشر سنوات.
الأربعاء، 18 نوفمبر 2020
تأملات في زمن الاعتقال السياسي بالمغرب
تأملات في زمن الاعتقال السياسي بالمغرب
معاريف بريس
|
لمن تقرع الأجراس”وثيقة نادرة للفقيد: أحمد بنجلون
لمن تقرع الأجراس”
وثيقة نادرة للفقيد: أحمد بنجلون
بعد اعتقاله بمدريد ” إسبانيا” سنة 1970 و تسليمه رفقة “سعيد بونعيلات” إلى السلطات المغربية، سيتعرض أحمد بنجلون للتعذيب القاسي طوال تسعة أشهر من مكوثه في مخفر التعذيب السري ” دار المقري” ، ليتم بعد ذلك نقله إلى سجن القنيطرة ثم مراكش، حيث ستتم محاكمته و إصدار حكم في حقه ب10 سنوات سجنا نافذة، و سيطلق سراحه يوم 12 ـ 12ـ 1975 أي ستة أيام قبل اغتيال شقيقه الشهيد عمر بنجلون.
قيل الكثير منذ وفاته عن بشاعة التعذيب الذي تعرض له، مع أنه كان منسيا قبل رحيله و يعيش ورفاقه تهميشا مقصودا من المشهد السياسي والإعلامي بسبب مواقفه السياسية. وهكذا بقي يعاني المرض في صمت نتاجا لما تعرض له من تعذيب جسدي بشع. و معاناة نفسية رافقته 45 سنة، كان قويا في مواجهتها و مواجهة أثارها.
ورغم أنه كان يقر أن التعذيب الذي تعرض له لا يمكن وصفه، فإنه كان كل ما أتيحت له الفرصة، يذكر مقالا وصف فيه بدقة ما تعرض له في ” دار المقري ” من تعذيب وحشي رفقة ما يقرب 193 مناضلا من الاتحاد الوطني للقوات الشعبية المتهمين بالتحضير لعمليات مسلحة و الذين سيحاكمون في محاكمة مراكش سبتمبر 71 بأحكام قاسية.
“لمن تقرع الاجراس” هو عنوان المقال، اقتبسه الراحل من رواية ل “أيرنيست هيمينغواي” وقد أذاعته إذاعة الاتحاديين بليبيا ” التحرير” في سنة 72 و نشر في بعض الجرائد الصادرة في فرنسا.
لم ينشر المقال في أي جريدة أو مجلة في المغرب، و قد عثرتُ عليه في مجلة ” إفريقيا اليوم” و هي مجلة فصلية كانت تصدرها الجمعية الفرنسية للصداقة و التضامن مع الشعوب الأفريقية. والتي قامت بإصدار عدد خاص عن المغرب ـ العدد 19 سنة1980. المقال نشر تحت عنوان ” عابر من دار المقري ـ شهادة عن التعذيب في المغرب” بدون الإشارة إلى كاتبه.
وقد قال الفقيد أحمد بنجلون عن المقال ـ الشهادة ـ في أحد الحوارات:
” قد كتبت في سنة 1972 نصا باللغة الفرنسية ترجمته إلى العربية، أي فقط سنتين بعد تعرضي لعذاب لا يمكنكم أن تتصوروا بشاعته، كتبت النص المذكور حين كنت أقضي عقوبة الحبس لمدة عشر سنوات بالمركز السجني بمدينة القنيطرة، كان هناك الحجاج الذين لازمونا في دار المقري وفي سجن مراكش وسجن القنيطرة.. كانوا يحرسوننا، وهو ما كان يعني أننا كنا دائما تحت رحمة أزلام أوفقير الذين كان بإمكانهم في أية لحظة إعادتي إلى دار المقري أو أي مكان آخر للاعتقال والتعذيب السري، لقد واتتني الشجاعة في سجن القنيطرة لكتابة نص أصفه بدون تواضع زائف بأنه نص جيد باللغتين الفرنسية والعربية وذلك على المستويين: الغنائي واللساني، ضمنته وصفا ليوم في معتقل دار المقري أشبه بما كتبه الكسندر سولجنستين عن الكولاك.. تحدثت فيه عن الكيفية التي كان يجري بها التعذيب، وعنونته ب “لمن تقرع الأجراس؟…” حيث كانت البداية صباحا في دار المقري عندما يقرع الجرس على مجموعة من المعتقلين يصلون إلى نحو سبعين شخصا ممددين من أثر المعاناة كانوا يتساءلون: لمن يقرع الجرس كل مرة لكي يساق إلى التعذيب.. كنا نحاول جعل أنفسنا أقل حجما، حيث كنا نتكون على أنفسنا.. وكما يحدث في خنادق الجبهة كنا نأمل مثل الأنذال أن تكون الرصاصة التي هي الجرس، قد قرعت لشخص غير الأنا.
بعثت بالنص المذكور سنة 1972 عن طريق بعض الأصدقاء وبعض الموظفين الذين أوصلوه إلى الإذاعة الليبية، صوت الحرية، التي أذاعته في حلقتين متتابعتين، في ذلك النص كنت قد أدنت الذين عذبوني، وعلى رأسهم: محمد العشعاشي، والحاج سفيران، وعبد المجيد القباج، ورئيس آخر: الحمياني، الذي بلغت به الوقاحة إلى حد تقديم شهادته أمام المحكمة …” انتهى تصريح أحمد بنجلون.
في ما يلي الشهادة ـ المقال ـ كما نشرته مجلة ” إفريقيا اليوم”:
هذه مقتطفات من شهادة مناضل تم اعتقاله سنة 1970، و قدم إلى محاكمة مراكش في يونيو 1971 مع 160 من رفاقه في الاتحاد الوطني للقوات الشعبية.
وتكشف هذه الوثيقة بكل دقة المعاملة اللا إنسانية التي يعاني منها كل مناضل تقدمي داخل سجون النظام المغربي.
إن من واجب الرأي العام الديمقراطي التنديد بمثل هذه الأساليب الوحشية ومرتكبيها، والتضامن مع كل المعتقلين السياسيين المغاربة من أجل إطلاق سراحهم.
عابر من دار المقري ـ شهادة عن التعذيب في المغرب:
بالأمس القريب، كان الخدم يصعدون بالأطباق النحاسية المحملة بالأكباش المشوية و المحمرة إلى الوزير ” المقري”، و من بعد إلى الأمراء و الأميرات، قبل أن تصبح دار ” المقري ” مسماة ( بالشفيرة ) عند الشرطة المركزية السرية ” ب. ف. 2 “.
لم نر النور ليل نهار، لأن أعيننا كانت معصوبة بعصابات سوداء. كنا ممتدين جنبا إلى جنب، كل واحد على غطائه المفروش فوق الإسمنت، ونشيد الطيور في الطبيعة و طقطقات خافتة للصحون المعدنية التي كنا نشرب فيها الحساء…
كل هذه الأصوات التي كانت تبدو آتية من بعيد، كانت تؤذن بقرب وصول الجلادين و أصوات الحرس التي أصبحت معروفة لدينا مع مرور الزمن، كانت تأمر بتناول الفطور، فيستوي من كان قادرا على الإستواء، في صليل من القيود والسلاسل، لأن الأيدي كانت مغلولة.. ثم تمسك يد بالكتف، تارة بلطف و أخرى بعنف، لتنبه إلى وجود الصحن عند القدمين.. و الكثير كان يزدرد الحساء ليقضي على ذوق الصابون الذي أشرب له بالأمس.. و البعض منا لم تكن له شهية الأكل لأسباب ليس من الصعب تصورها، و آخرون كانت أذرعهم مشلولة، لأنهم بقوا معلقين ساعات… و لعدة أيام على التوالي، حتى أن الحراس هم الذين يطعمونهم بأنفسهم.
أما الذين سمعوا أو حتى عاشوا تجربة المناضلين الذين سبق لهم أن نزلوا ضيوفا في هذه القاعة، من الطابق الأول من دار المقري، الواقعة في مزرعة على بعد 9 تسعة كلم من الرباط في طريق “زعير”، قد فرضوا على أنفسهم إمساكا مطولا عن الطعام، آملين أن يغمى عليهم خلال التعذيب، و لو أن هذا الإغماء غالبا ما كان يتعذر بالرغم من قساوة التعذيب.
يرن الجرس الكهربائي، وتهتز معه قلوبنا و أمعاؤنا و كل أعصابنا.. بنفس السرعة.. لقد وصلوا، فلم يبق أي وقت للتفكير، و يحدث الفراغ في رؤوسنا و العدم في نفوسنا، كأننا من عالم آخر… و في كل صباح كنا نتساءل بمنتهى الفزع: لمن تقرع “الأجراس”؟
لمن تقرع الأجراس؟
لم يكن لدينا في مواجهة هذا الموت البطيء، الذي كان يرفض بكل خبث وتعنت أن يصل إلى نهايته، إلا عقيدتنا الثورية وعزيمتنا و إيماننا الراسخ بالشعب و الجماهير.. و كان المرء يتمنى بدافع من غزيرة البقاء، التي يمليها علينا الجسد أكثر من العقل، أن يقرع الجرس لغيره.
“انهض يا فلان” يقولها بعض الحراس بنغمة من الأسى أحيانا، وغالبا بنغمة التشفي والتهكم.. ثم يدير المفتاح في القفل الذي يثبت السلسلة في أحد قضبان النافذة. ثم صليل الحديد الرهيب يبتعد شيئا فشيئا مع خطوات المعذب المكبل الرجلين، حتى يتلاشى في الدروج الملتوية المؤدية إلى القبو. ثم يرن الجرس مرة ثانية.. و ثالثة.. مرات متكررة.. حتى تبقى القاعة نصف فارغة.
وها خليط من الأصوات يندلع كالرعد من كل جانب، طرقات حادة تحدثها الهراوات عندما تنزل بكل ما لدى الجلادين من قوة على أخماص الأقدام.. و صيحات طويلة و صرخات و أنين و حشرجات و آهات و جعجعات… تقسم يمينا أنها منبعثة من حنجرة جمل يمر عليها السكين.
أما الذين لم يقرع الجرس بالنسبة إليهم بعد، فقد كانوا يتكبدون نفسيا عذاب رفاقهم و لو كانوا يخبئون رؤوسهم تحت الملاءات. غير أن دورهم لا يفتأ أن يصل، حيث كانت القضية دائما تنحصر في بعض الدقائق…
المجزرة المعتمة:
والقبو كان معملا حقيقيا للتعذيب، يشتغل فيه الجلادون بتسلسل، كل واحد حسب اختصاصاته. و كانت بسقف القبو حلقات مثبتة تتدلى منها حبال التعذيب.. اليدان و الرجلان موثقة وراء الظهر، معلقة بالحبل المدلى من الحلقة، والوجه متجه نحو الأرض. عشرون أنسانا كانوا يتركون في هذا الوضع لمدة ساعات متتالية كأكباش مهيأة للسلخ.
وبعد أقل من خمس دقائق من بداية التعذيب كان أنين التعذيب يبدأ بالتصاعد، لأن المرء كان يشعر أن ذراعيه تنفصلان عن جسده، و أن خناجر تطعنه وتمزق لحمه.. و عندما لا تبقى أي حلقة شاغرة للتعليق، يمدد المعذبون على مقاعد طويلة و يلفون بالحبال، كي تثبت أجسادهم عليها بإحكام.. وبعدما يقيد: المعصمان، والرسغان، والذراعان يعتنقان الركبيتن المثنيتين، يدخل قضيب حديدي بين انثناء الذراعين و الإبطين، و بعدما يرفع القضيب و يوضع على كرسيين أو على أي شيء يمكنه أن يحدث فراغ متر أو أكثر من العلو، يجد المعذب نفسه معلقا في الهواء، منثنيا على نفسه، و ذقنه على ركبتيه، و قدماه متجهتان نحو السقف، و رأسه على الأرض..
وحينما يحتل كل واحد مكانه، يشرع في التعذيب ب: الماء والخرقة ” الجفاف”، والصابون، والكهرباء، والضرب على أخماص الأقدام، و كان الضرب والجلد هو التعذيب المفضل لدى الجلادين الذين كانوا يجدون فيه نشوة هستيرية..
وذات صباح كان أحد الرفاق في قاعة الطابق الأرضي، التي تنفذ إليها جميع الأصوات المنبعثة من القبو، قد بدا في عد الضربات بالهراوة، والصرخات التي كانت تصحب كل ضربة يتلقاها أحد إخوانه، كان يعرف صوته جيدا، فوصل إلى عدد 375، قبل أن تغرورق عيناه بالدموع… فاستمرت الضربات طويلا بعد ذلك، لكن الصراخ انقطع..
وبعد الجلد يأتي التبريد والخنق بالماء، فيرتفع المقعد الطويل من جهة القدمين، لكي يصبح رأس و صدر المعذب المربوط على المقعد، منغمسين كليا في جفنة ماء، يبقى الرأس غارقا في الماء الذي يبدأ مستواه في الانخفاض بعد 30 ثانية أو أقل.. و حينما يشرب المعذب كمية لا بأس بها من: ماء، و كريزيل، و بول رجال الشرطة، وقيء من سبقوه إلى الجفنة، يعيد الجلادون المقعد إلى وضعه الأول، لكي يصبح الرأس في الهواء الطلق.. ولكن ما يفتأ المعذب أن يشهق حتى ينغمس رأسه في الجفنة من جديد، وبمجرد ما يستنفذ القليل من الهواء الذي تمكن من استنشاقه، سرعان ما يعود إلى الاحتفال بصبره وعناده و روح تضحيته بشرب الكوكتيل تلو الكوكتيل حتى الانهيار التام، ثم يعود المقعد إلى وضعه الأول، فتزعزعه يدان قويتان، ليتقيأ المعذب ما ابتلعه من ماء ممزوج بالقاذورات، ثم الضرب على الأقدام، ثم الكهرباء في الأذن و أصابع القدم و الجهاز التناسلي…ثم جفنة الماء من جديد، و أحيانا الجفنة والكهرباء في آن واحد، ثم الجلد من جديد وهكذا دواليك…
الخلود في الجحيم:
أما الدرجة الثانية فهي التعليق على قضيب الحديد، وكان أثره المباشر هو شل الذراعين والرجلين، ثم بطبيعة الحال الضرب على أخمص القدمين و الفخذين، ثم الكهرباء الذي يصعق جسم المعذب، الذي يهتز بقوة حتى يسقط على الرأس، لأن قضيب الحديد لم يثبت بإحكام على قاعدتيه..
ولكن أقسى ما في العملية هو الخنق بالخرقة والصابون، بحيث يوضع “الجفاف” على فم وأنف المعذب، الذي يكاد يلفظ نفسه الأخير، قبل أن تكف اليد الآثمة عن ضغطها لتترك شيئا من الهواء يتسرب من بين خيوط الجفاف.. لكن بمجرد ما يبدأ المعذب بالرجوع إلى الحياة ـ الموت ـ تفرغ اليد الآثمة الماء من زجاجة على الجفاف، وتحك الصابون الذي كانت قد ذرته عليه، ليعطي رغوته الكثيفة، والمعذب آنذاك يبدأ في ابتلاع رغوة “التيد” بعد استنشاق الهواء.. وحينما يحلو للجلادين أن يرفعوا الخرقة، فكأنهم فتحوا زجاجة الشمبانيا لتخرج رغوة الصابون كأنها حمم بيضاء لبركان ثائر، لأن المجال الحيوي للمعدة و الأمعاء والرئتين الملتهبتين أضيق بكثير من أن تسع كل هذه الرغوة المتكاثفة.
وإن الوطنيين والتقدميين والثوريين سيذهبون دوما روادا للفضاء، على متن سفينة ” أبولو ” التي صنعتها لهم أيها الملك العصري، الذي يشجع العلوم و الآداب و الفنون.. و أقول ” أبولو ” لأن هذا هو الاسم الذي أطلقه جلادوك على الدرجة الثالثة، و الأكثر همجية من كل عمليات التعذيب السابقة، حيث يبقى المعذب معلقا لمدة ساعات من ذراعيه و رجليه بواسطة حبل، كأنه كبش مذبوح ينتظر السلخ، وكأن ملايين السكاكين كانت تنغرز في لحمنا و تقطعه إربا إربا، وكل خلية من خلايا أجسادنا، وكل ليفة من ألياف عضلاتنا كانت تتمزق تحت وطأة عذاب لا يعرف حدا، وغالبا ما كان الضرب في ” أبولو” تعذيبا مضادا، لأنه كان يحول آلام كل الجسم إلى الأقدام وحدها، لكن الجلادين تفننوا في هذه العملية، لدرجة أنهم كانوا يشرحون أخمص الأقدام المنتفخة بشفرات الحلاقة، ويذرون الملح في الأخاديد المنهمرة بالدم، ويروونها بالكحول، و بعد هذه المجزرة البربرية.. كانوا يستأنفون ضربهم و جلدهم على هذا اللحم البشري الملتهب نارا و المسحوق سحقا.. و كان الدم يتناثر تحت صدمة الهراوة الصاعقة على وجه الجلادين، الشيء الذي كان يضاعف من شراستهم و هياجهم، و كانوا يضيفون على المعلق الذي قد يبدو لهم (صلب الرأس)، كرة حديدية يزيد وزنها على 20 كغ، و كرسيا يجعل الذراعين يشكلان زاوية قائمة مع الظهر.. و كانت الدقيقة الواحدة من التعليق في ” أبولو” تبدو لنا خلودا في الجحيم…
وكانت تصل بهم وحشيتهم حتى إلى جر تلك الأجساد المنهارة المتألمة، من الأرجل للصعود بها، ورؤوسها تصطدم بكل درج.. و عندما يتكدس المعذبون من جديد في الصالون، و لم يصل إليه أي ضجيج من الخارج إلا نقيق الضفادع، كنا ننسى معه أنين يوم آخر من عذابنا..
و في كل مساء يأتي ”الدكتور”، الذي هو في الحقيقة ممرض ضابط شرطة يحمل اسم “الحسوني”… والذي كان يتبجح بأنه ساهم مساهمة فعالة في اختطاف واغتيال المهدي بنبركة، لمعالجة المعذبين، لتهيئتهم للعمليات التي كانت تنتظرهم في الغد.. و غالبا ما كان الدواء أكثر ألما من الداء، إذ كانت الأقدام المنتفخة و المتقطرة بالدم، تغمس في أوان من الماء الساخن، تشعر به كأنه حامض الكبريت، والأفخاذ تغرز بإبر ”البينيسيلين”، وضد ”الطيطانوس” و ضد التعفن…
أما الظهر و البطن و الصدر وأجزاء أخرى من الجسم الموشومة بالسياط، والمكوية بجمرة السجائر و السيكار، فكان علاجها الوحيد هو الكحول، الذي يحدث فيها التهابا إضافيا.
أما الممرض البيطري، فحينما كان ينهي دورته كان يعلن لنا بنغمة متواضعة خبيثة، قبل أن ينسحب إلى قاعة، أخرى: ” هذا ما بوسعي أن أفعله لمعالجتكم، أما غدا في الصباح الباكر إن شاء ألله فستعالجون بأكثر فعالية “.
وبالفعل كان نشيد البلابل يعلن دائما وأبدا بدون انقطاع، يوم تعذيب آخر.. و كنا نسمع نفس الصرخات و نفس الأنين و نفس الخليط من الأصوات، و ذلك لمدة شهور متتالية، لدرجة أننا كنا نسمع يوم الأحد ـ الذي كان يوم راحة بالنسبة إلينا كذلك ـ أبناء الحراس القاطنين بجوار بناية ”دار المقري” في مزرعة الليمون، يلعبون لعبة التعذيب و يقلدون استنطاقات رجال البحث، و صرخات مختلفة للمعذبين.. لكن غالبا ما كنا نسمعهم في نفس الوقت يتشاجرون للتسابق على تمثيل دور المناضل المعذب..
أعدها للنشر: يوسف الطاهري
صحح بعض الأخطاء المعجمية، مع إضافة علامات ترقيم: مصطفى بوهو
الثلاثاء، 17 نوفمبر 2020
النقيب ذ. إبراهيم صادوق ومحاكمة مراكش 1971
المحامي المبدع والمثقف الوطني وكتابة السيرة الذاتية
كل شيء عن ما وقع ويقع في المغرب من انتهاكات حقوق الانسان: رحيل المناضل الاتحادي احمد خيار
حياة على حد البندقية والقضبان سيرة المناضل عبد ا...
سنوات الرصاص والاغتيالات والمحاكمات ابتداء من 1956-1963: ا حياة على حد البندقية والقضبان سيرة المناضل عبد ا... : حياة على حد البندقية والقضب...
-
لمن تقرع الأجراس” 12/12/2015- وثيقة نادرة للفقيد: أحمد بنجلون بعد اعتقاله بمدريد ” إسبانيا” سنة 1970 و تسليمه رفقة “سعيد بونعيلات” إلى ...
-
حفيظ الإدريسي السبت 12 يوليوز 2014 استوقفت الشيخ نوحي، حول بعض من أولئك المعارف، فلم يتردد في ذكر شخصية غادرتنا منذ عامين في صمت رهيب.. ق...
-
سنوات الرصاص والاغتيالات والمحاكمات ابتداء من 1956-1963: ا حياة على حد البندقية والقضبان سيرة المناضل عبد ا... : حياة على حد البندقية والقضب...